وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم بطلاب العلم وبأهل مصر
كان مشايخنا في الأزهر يقولون لنا معاشرَ الوافدين: "مرحبا بوصية رسول الله...مرحبا بطلاب العلم نوّرتمونا....نَوّرتم مصر كلها...تركتم بلادكم وأهليكم من أجل التفقه في الدين، فعلينا بإكرامكم والأخذ بأياديكم"
وكلما سمعتُ هذا الترحاب الحنين والاستقبال الودود من مشايخنا، أو أهل مصر عموما، تدمع عيني وتقشعر بشرتي، لا من نفس ذاك الترحاب ولكن مِن حنان وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان -صلى الله عليه وسلم- حريصا على طلاب العلم، وبشّر لهم، وتلطّف بهم، خاصة المسافرين منهم، التاركين لأوطانهم وأهليهم، المتحملين مشقةَ الغُربة والاعتماد على أنفسهم. قال صلى الله عليه وسلم: (ما من خارج خرج من بيته لطلب العلم إلا وضعت له الملائكة أجنحتها رضا بما يصنعون).
أما في شأن الوصية، فقد روى الإمام ابن ماجه في سننه، أنه صلى الله عليه وسلم أوصى بطلاب العلم الشرعي خيرا، فقد شرّفهم الله على سبيل التخصسص ...بذكر كونهم طلاب العلم الشرعي، متفقهين في الدين، وكونهم جاؤوا من مكان بعيد... فليس بصحيح من سوّى بين طلاب العلم الشرعي وبين طلاب العلم الغير الشرعي كالطب والهندسة وغيرهما، لأن الإسلام خصصهم بالذكر، وأكثر ذكرَهم، قال صلى الله عليه وسلم في حديث مشهور بين العلماء (من أراد الله به خيرا يفقِّهه في الدين).
هذا في الوصية الاولى، وقد وجدنا التطبيق لهذه الوصية عند كل مشايخنا في الأزهر الشريف، خصوصا شيخ الأزهر سيدي أحمد الطيب. ولم نجدهم إلا وقد أحسنوا إلينا، وألطفوا في المعاملة، وصابروا على تعليمنا، وضحوا أوقاتهم وأموالهم من أجلنا... جزاهم الله خير الجزاء وأحسن الله إليهم في الدارين.
وكذلك أهل مصر وشعبها، فقد أحسنوا الينا كثيرا، وجعلوا معاملتهم معنا غيرَ معاملتهم بغيرنا، وكانوا دائما يقدمونا على غيرنا ...جزاهم الله خيراً.
هذه المحبة والموَدة موجودة بطبيعتهم، ممزوجة في لحومهم ودمائهم، فقد أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم الإحسان لأهل مصر. روى الإمام مسلمٌ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه ِصلى الله عليه وسلم: إِنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ مِصْرَ وَهِيَ أَرْضٌ يُسَمَّى فِيهَا الْقِيرَاطُ فَإِذَا فَتَحْتُمُوهَا فَأَحْسِنُوا إِلَى أَهْلِهَا فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا؛ (مسلم حديث: 2543).
نعم، هناك سلبيات التي وجدنا في بعض الأفراد، وهذه السلبيات لا تغطي إحسان غيرهم ورأفتهم لنا؛ لأن السلبيات موجة في كل شعب. فإن الحسنات تذهبن السيئات...أكثر ما يعجبني من أهل مصر، أنهم أهل الكرم، أنهم لا يبخلون... وأنهم يحبون الحياة البسيطة ورضوا بها....وأنهم بشوش الوجوه، يحبون المزاح مع الناس إدخالا للسرور في قلوبهم. لقد صدق صلى الله عليه وسلم أن فيهم رحما. وهنا أتحدث عن شعب مصر عموما ولم يقتصر هذه الرحمة بين المسلمين.
فبين طلاب الوافدين وبين أهل مصر علاقة قوية وتينة، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أوصى كل من تعامل معهم بخير. أكرم بهذا النبي الكريم... جزى الله عنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خير الجزاء بما هو أهله، فقد أودع في قلوبنا المودة.
وجزى الله مشايخنا من الأزاهرة، نعم الأزاهرة من أهل السنة والجماعة الأشعرية. جزاهم الله خير الجزاء على احسانهم، أسأل الله أن يحفظهم ويسترهم. ولا حرمنا الله من رفقتهم ومجالستهم في الدنيا والجنة. في الدنيا لطلب العلم والإستفادة وتقبيل أياديهم وخدمة نعالهم. وفي الآخرة أيضا لطلب العلم لكن لا للاستفادة بل للتلذذ بالعلم والمعرفة.
حارة الدويداري، حي الإمام الحسين بالدراسة محافظة القاهرة.
علي عفيفي الأزهري
٦ ربيع الأنوار ١٤٤٤
٢ اكتوبر ٢٠٢٢